top of page
بحث

الانتقال الطاقي بالمغرب في ضوء التوجهات الاستراتيجية للنموذج التنموي الجديد

  • صورة الكاتب: Imal Initiative
    Imal Initiative
  • 13 مارس
  • 6 دقائق قراءة


الملخص التنفيذي

يمثل النموذج التنموي الجديد (2021 2035) للمغرب تتويجًا لجهد وطني كبير وتاريخي للبلاد. وبناءً على التعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس، قامت اللجنة الخاصة بالنموذج التنموي بوضع النموذج في عام 2021 بعد إجراء مشاورات معمقة استمرت لمدة سنتين.


​يولي النموذج التنموي الجديد أهمية خاصة لمسألة الانتقال الطاقي في مستقبل المملكة، حيث يدعو إلى ترسيخ مكانة المغرب كدولة رائدة على الصعيد الإقليمي في مجال الطاقة الخضراء ومنخفضة الكربون في أفق سنة 2035. ويعتبر النموذج التنموي الجديد أن خفض تكلفة الطاقة يمكن تحقيقه من خلال إصلاح شامل لقطاع الطاقة والانتقال نحو مصادر الطاقة المتجددة منخفضة الانبعاثات الكربونية. ولإنجاح هذه المهمة، يقترح النموذج التنموي الجديد إدخال إصلاحات قطاعية تستند إلى التوجهات الاستراتيجية التالية :

 

●       إرساء هيكلة مؤسسية جديدة تتمحور حول هيئة تنظيمية قوية، مستقلة وذات مصداقية تشمل مختلف مكونات القطاع.

●       وضع سياسة تسعير شفافة، ديناميكية وتنافسية، تستند إلى فصل واضح لأدوار الفاعلين​

●      إعادة هيكلة المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب لتمكينه من أداء دوره الاستراتيجي في تحديث شبكة نقل الكهرباء ومواكبة إصلاح القطاع​

●       تطوير الإنتاج اللامركزي الفعّال والذكي بهدف توفير كهرباء تنافسية على المستوى الترابي.​

●       رفع القيود عن ولوج الغاز الطبيعي لفائدة القطاع الصناعي ولدعم التنمية الوطنية

●       ترسيخ مكانة المغرب كمنصة إقليمية في التبادل الطاقي، والبحث والتطوير، وتعزيز المحتوى المحلي

 

​بعد مرور ثلاث سنوات، يأتي هذا التقرير، الذي أعدته مبادرة إمال للمناخ والتنمية، كتقييم مستقل للتقدم المحرز في تنفيذ كل من هذه التوجهات الاستراتيجية. وقد تم إعداد هذه الحصيلة بهدف إثراء النقاش الوطني ودعم الجهات المسؤولة، من أجل تسريع تحقيق الهدف الاستراتيجي للمملكة  والمتمثل في ترسيخ ريادتها العالمية في مجال الطاقة الخضراء. ويمكن إجراء هذا العمل التقييمي والاستشرافي بشكل دوري، لضمان متابعة مستمرة لإنجازات القطاع في ضوء توصيات النموذج التنموي.

 

تشير هذه الحصيلة المستقلة إلى الرسائل والاستنتاجات العامة التالية

تطور مسار الانتقال الطاقي الوطني في ظل التراكمات والتأخيرات المسجلة. لعب المغرب تاريخيًا دورًا ريادياً في إفريقيا والمنطقة في مجال الانتقال الطاقي، حيث حقق تقدمًا ملحوظًا وشهد تسارعًا حديثًا مدعومًا بجهود كبيرة لا تزال مستمرة. ومع ذلك، يكشف تحليل الوضع الراهن عن وجود بعض الفجوات بين الطموحات الكبيرة التي حددها صاحب الجلالة الملك محمد السادس وبين الإنجازات المحققة في إطار التوجهات الستة للانتقال الطاقي المنصوص عليها في النموذج التنموي الجديد.


وعلى الرغم من تزايد الوعي برهانات الانتقال الطاقي وإطلاق العديد من المبادرات الهيكلية، إلا أن بعض التحديات المستمرة لا تزال تعرقل الانتشار الأمثل لمصادر الطاقة المتجددة.  ورغم أن هذه التحديات قابلة للتجاوز، إلا أنها تتطلب مقاربة تشاركية وتعديلات استراتيجية لضمان تنفيذ أكثر سلاسة وفعالية للانتقال الطاقي.

 

 التداعيات الاقتصادية  لبطء وتيرة الانتقال الطاقي

يُشكّل تسريع وتيرة الانتقال الطاقي، وفقاً للرؤية التي حددها النموذج التنموي الجديد، ضرورة ملحّة لتفادي تداعيات سلبية لا تقتصر على قطاع الطاقة وحده، بل تمتد لتطال الاقتصاد الوطني برمته. فالقرارات المتخذة والتدابير المتبعة في هذا المجال سيكون لها أثر حاسم على القدرة التنافسية والنمو والمرونة الاقتصادية للبلاد.


فمن جهة، يشكل استمرار الاعتماد على واردات الوقود الأحفوري عبئاً ثقيلاً على الموارد الجبائية للمغرب، و ميزانه التجاري، واحتياطياته من العملات الأجنبية، في حين أن تعزيز الإنتاج المحلي للطاقة الشمسية والريحية، التي تتميز بتكاليف تشغيل منخفضة، يوفر بديلاً أكثر استدامة. ومن جهة أخرى، قد يؤدي التأخر في خفض كثافة الكربون في شبكة الكهرباء إلى تكاليف إضافية، ما يؤثر سلبًا على تنافسية الصناعة المغربية،لا سيما في ظل اعتماد الاتحاد الأوروبي وكذا وجهات تنظيمية أخرى، آليات تقييدية على المنتجات ذات البصمة الكربونية العالية.

 

​يتطلب التنفيذ السريع والناجح للانتقال الطاقي تغييرًا جذريًا في النهج المتبع. لتحقيق رؤية صاحب الجلالة الملك محمد السادس وترسيخ ريادة المغرب في مجال الطاقة الخضراء، يجب اعتماد مقاربة جديدة تجمع بين المرونة، والابتكار، والالتزام القوي من جميع الجهات الفاعلة. و يشمل ذلك:

 

1.    إعادة وضع النقاش في سياق يشمل الأبعاد السياسية والاستراتيجية، وليس فقط التقنية: في يُناقش الانتقال الطاقي والتوسع في الطاقات المتجددة في الوقت الراهن من زاوية تقنية بالأساس، وغالبًا ما يُنظر إليه كمجرد تحدٍ هندسي. إلا أن تبني مقاربة استراتيجية أصبح ضرورة ملحّة لفهم الأبعاد الكاملة لهذا التحول وضمان تنفيذ فعّال يرقى إلى مستوى الطموحات المنشودة.

 

2.    تبني مقاربة قائمة على إيجاد الحلول: وذلك باعتماد ديناميكية استباقية تركز على إيجاد الحلول للتحديات، بدل الاكتفاء بتحديدها. ويقتضي ذلك تحديد صلاحيات واضحة للجهات الفاعلة الرئيسية في عملية الانتقال الطاقي، مع تحديد صريح للإجراءات المتوقعة من كل منهم لضمان تنفيذ فعال ومنسق.​

 

3.    تعزيز الشفافية: يمثل التفاوت المعرفي وتباين إمكانية الوصول إلى المعلومات تحديين أساسيين في مختلف مراحل صنع القرار، لا سيما عندما تنتهج الجهات المؤسسية التقليدية أسلوبًا محافظًا أو متحفظًا في بعض الأحيان. ومع ذلك، فإن فهمًا أفضل للتحديات التقنية سيمكن من اتخاذ قرارات أكثر استنارة وملاءمة. في هذا السياق، يمكن لإطار التعاون الدولي، خاصة في مجال تعزيز وتكييف شبكات النقل والتوزيع، أن يلعب دورًا محوريًا في تسهيل تبادل الخبرات وتحسين تنسيق الجهود على المستوى العالمي.

 

4.    مقاربة مرنة وقابلة للتكيف: يجب على صناع القرار والمسؤولين تبني نهج يسمح لهم بالمضي قدمًا في عملية الانتقال الطاقي دون الحاجة إلى امتلاك حل متكامل ومحدد مسبقًا. حيث تستلزم هذه ’العقلية الانتقالية‘ اعتماد مقاربة مرنة قابلة للتكيف، تستجيب للتعديلات الضرورية لمواكبة التطورات المستمرة في المشهد الطاقي

 

5.    التركيز على الهدف النهائي للانتقال الطاقي: يجب أن تحظى الرؤية بعيدة المدى للبلاد و إلحاحية الأمر بالأولوية المتوازنة في صنع القرار.وينبغي أن يتماشى النهج السياسي والتنظيمي مع هذا الطموح مع مراعاة احتياجات جميع القطاعات وسلاسل القيمة. بمعنى آخر، لا ينبغي التضحية بالطموح للامتثال لإطار تنظيمي غير مناسب أو شبكة كهربائية غير مهيأة.​

 

أخيرًا، يبرز هذه التقييم ثلاثة أجندات مستمدة من النموذج التنموي الجديد، كل منها يشمل توجهات استراتيجية مختلفة، كأولويات للعمل في القطاع. وتعتبِر مبادرة إمال أن هذه المحاور تستوجب تكثيف الجهود خلال السنوات الخمس القادمة:​


  • تحرير إمكانات الطاقة اللامركزية في المغرب: تُعد الطاقة اللامركزية أحد الأهداف المحورية التي ألح عليها النموذج التنموي الجديد، كما أكدت اللجنة المختصة على دورها في تعزيز "موثوقية الشبكة الطاقية ومرونتها وتوازنها وتنافسيتها". ويمكن للبنى التحتية لإنتاج الطاقة اللامركزية أن تستفيد من نشر الأنظمة الذكية لضمان إدماج أكثر كفاءة لهذه الموارد ضمن شبكات التوزيع.

    يمتلك المغرب إمكانات هائلة في مجال الطاقة اللامركزية، خاصة في مجال الطاقة الكهروضوئية على الأسطح، وهي مصدر طاقي قادر على توفير فرص عمل كبيرة وتعزيز الاستقلالية الطاقية للمملكة، مما يساهم في تقليص اعتمادها على واردات الوقود الأحفوري. ومع ذلك، في الوقت الحالي، لا يزال ولوج هذه المنشآت إلى الشبكة محدودًا بسبب القيود التي يفرضها مشغلو شبكات التوزيع. لذا، أصبح من الضروري مواكبة هؤلاء الفاعلين لمساعدتهم على تجاوز العقبات المتصورة وتكييف الشبكة تدريجيًا وفقًا لذلك، على غرار المبادرات الناجحة التي تم تنفيذها في دول شريكة أخرى.

 

  • إعادة النظر في عقود الشراء طويلة الأجل، خاصة تلك المتعلقة بمحطات الفحم: يؤكد النموذج التنموي الجديد على ضرورة إعادة تقييم عقود شراء الطاقة طويلة الأجل، التي تعتبر غير تنافسية للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب. كما يقترح إمكانية التخلي عنها "عبر تسوية ودية أو قضائية، مما يسمح بتسوية تكلفتها الزائدة دفعة واحدة بدلاً من امتدادها على كامل مدة العقد،وذلك لتمكين المكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب من إعادة هيكلته على أسس سليمة". و تكتسي هذه الخطوة أهمية خاصة بالنسبة للعقود المبرمة مع محطات توليد الكهرباء العاملة بالفحم، نظرًا للمخاطر التي قد تشكلها على الاقتصاد المغربي وتنافسيته الصناعية. و كما سبق الإشارة إليه، يعود ذلك إلى بصمتها الكربونية العالية التي تؤثر على كثافة الكربون في إنتاج الكهرباء في المغرب.

    مع تراجع حصة الفحم في المزيج الطاقي بحلول عام 2030، نتيجةً لتوسع الطاقات المتجددة المدعوم بزيادة القدرات المركبة في الطاقة الشمسية والريحية والتخزين، إلى جانب الأهداف الوطنية لإزالة الكربون وتنويع المزيج الطاقي، ستظل  المحطات العاملة بالفحم حاضرة في المشهد الطاقي الوطني. لذلك، من الضروري إجراء تفكير معمق حول مستقبل هذه المحطات، خاصة فيما يتعلق بإدارة عقود شراء الطاقة.


  •  وينبغي أن تأخذ هذه المقاربة بعين الاعتبار الأبعاد الاقتصادية والبيئية والاجتماعية، مع استكشاف الفرص التي تتيحها آليات التمويل المناخي الدولية. وكما أظهرت تجارب بلدان نامية أخرى في إطار مبادرات "اتفاقية شراكة التحول في الطاقة العادلة"، يمكن لهذه الآليات أن تساهم في هيكلة انتقال تدريجي وعادل، يضمن تعويضًا مناسبًا للمشغلين المعنيين مع تسهيل وتسريع إدماج الطاقات النظيفة في المنظومة الطاقية.

    ترسيخ مكانة المغرب كمنصة إقليمية رائدة في تبادل الكهرباء الخضراء: يطمح النموذج التنموي الجديد إلى جعل المغرب مركزًا استراتيجيًا لتبادل الطاقة بين المغرب العربي وأوروبا، من خلال إرساء تدريجي لسوق كهرباء إقليمية في المغرب الكبير وتحقيق ربط شبكة الكهرباء المغربية بشبكة غرب إفريقيا.وتُعد هذه الخطوة مبادرة استراتيجية محورية من شأنها تعزيز تنمية المنطقة، خاصة من خلال التجمع الطاقي لغرب إفريقيا. وتتطلب ترجمة هذه الرؤية إلى واقع اتخاذ عدة خطوات أساسية، بما في ذلك تطوير الربط البيني الإقليمي، ومواءمة سوق الكهرباء الوطنية مع السوق الأوروبية؛  إضافة إلى تنفيذ باقي التوجهات الاستراتيجية للنموذج التنموي الجديد، من بينها إصلاح وإزالة الكربون من قطاع الكهرباء، وكذلك الاستثمار في مرونة الشبكة الوطنية واعتماد أطر تنظيمية فعالة لتحرير إمكانات إنتاج الطاقات المتجددة في المغرب.



 
 
Email_footer-removebg-preview.png
LOGO_8d11d381-25b2-4aba-90a7-88eb96197078-removebg.png
Email_footer-removebg-preview.png
  • Newsletter
  • Twitter
bottom of page